كم من أمنية قد جرفها تيّار الفقر ،
و أخذ في تحجير مكنونها بصدر حامليها ،
وعاش ذويها تحت وطأة التأمل طويلاً ،
لم يكن الفقر إلا عاملاً مساعداً على تجفيف المشاعر حتى تبات مهشمّة الملامح ،
كالشمس حين تطل على أوراق الخريف ،
و تتساقط من كل شجرةٍ بهيّة عدّة أوراق قد حلمَت بالبقاء في العلالي ،
{.. يـا فــــقــــر ..}
الفقر آفة الإنسان ،
ومحّطم آماله الدائم ،
يأخذ بالأشخاص إلى حيث الألم و الحزن ،
ويكّبل أيديهم و أرجلهم عن الخطوة الأولى من الحلم ،
ليعيشوا متأملين تذوق نكهته الأخيرة ولا يستطيعون ذلك !
{.. يـا فــــقــــر ..}
و لأن الفقر مجففاً ناجحاً للمشاعر ،
فإنَ الفقراء على قُدرة عالية من الصبر ،
وعلى قوّة هائلة لامتلاك ما لا يملكه الأثرياء ،
فهم الذين يعيشون واقع التجربة بكل حذافيرها ،
أفراح و أحزان حتى القطرة الأخيرة من الكأس ،
قُدرتهم على التكيف السريع يجعلهم الأثمن ،
والأقرب لخوض التجربة الأصدق ،
ليخرجوا لنا بخلاصة الحياة التي تختصر لنا الكثير من الدروب المطلّة على هذا الأفق الطويل ،
{.. يـا فــــقــــر ..}
يا أيها الفقير ،
ارفع رأسك للأعلى ،
فليسَ هنالك ما يدعو إلى طأطأة رأسك و النظر إلى أقدام الأثرياء ،
فإن كانوا يملكوا المال ،
فأنتَ تملك القناعة و الرضا ،
والحياة مبنيّة على أساسهما ،
فكم من ثري لم يقتنع ،
وعاش باكياً لحاله ،
وكم من فقيرٍ عاش بفقرهِ وصنع المعجزات التي ترتبط بروحهِ ،
{.. يـا فــــقــــر ..}
سترحل الأحلام ،
نعم ،
سترحل الآمال ،
نعم ،
لكنها ليست كل شيء ،
فالحياة أكبر من كونها أحلام و آمال مبنية على أموال ،
فالغنى هو غنى النفس ،
و القناعة هي الكنز الأثمن الذي لا يفنى ،
اسألني يا فقر ماذا فعلت بحالي ،
فأجيبك و مرارة الدمع تكتسيني :
جرحتني يا فقر و سيّلت لي دمعة ..
و أخذت تمسح على جرحٍ ما طاب طاريه ..
{.. يـا فــــقــــر ..}
تَراك طفيت لي كل شمعة ..
و ما علمتني أيامي إلا صبرٍ صنعت باديه ..
رسالة إلى فقير .،